ملفات

استعمال النظام الجزائري رهائن تندوف لإطالة أمد نزاع الصحراء


على غرار خرجاته السابقة، عاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تأكيد موقف الجارة الشرقية المعادي للوحدة الترابية للمغرب، وذلك في تعليقه على اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، حيث عاد ليُصبغ على المغرب صفة المحتل للصحراء.

يحلل الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية أحمد نور الدين خطاب الرئيس الجزائري، ويخلُص إلى أن التصريحات التي يُلقي بها هذا الأخير يمينا وشمالا، عوض التحلي برزانة قادة الدول، “جعلت منه أضحوكة على الصعيدين المحلي والدولي”.

ما هي قراءتكم لمضمون الحوار الأخير للرئيس الجزائري بشأن اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء؟

بداية، يجدر بنا التذكير بأن هذا الرئيس فقد كل مصداقية في كلامه بعدما تناسلت تصريحاته الكاريكاتورية الكاذبة والمهووسة بأكبر ملعب لكرة قدم وأكبر محطة لتحلية مياه البحر وأكبر طائرة لإطفاء الحرائق وأول بلد في إطفاء الحرائق وأكثر شعب مستهلك للعدس والفاصوليا وأول بلد في تحويل الماء من نهر إلى آخر، وغير ذلك من فنون الجنون التي جعلت من السيد عبد المجيد تبون أضحوكة على المستوى الجزائري والدولي.

تصريحات الرئيس الجزائري أصبحت مادة للتنكيت والتفكه في المجالس وفي وسائل الإعلام، ومن هذه الزاوية لم تعد تصريحاته تحظى بأي قيمة سياسية ولم يعد لها أي وزن دبلوماسي، وأثبت للعالم أنه مجرد كومبارس لا علم له بالملفات الحساسة ولا بالمعطيات الدقيقة التي من المفروض أن يكون رئيس الدولة على اطلاع عليها، وهو بذلك يؤكد أنه يقوم بدور ممثل رديء وغير احترافي لمنصب عيَّنه فيه جنرالات الجزائر ضدا على إرادة الشعب الجزائري الذي قاطع ما سمي بالانتخابات الرئاسية بنسبة فاقت 70 في المئة، حسب الإحصاءات الرسمية الجزائرية.

الرئيس الجزائري وصف اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء بـ”الكلام الفارغ”..

إذا شئنا أن نتجاوز المعطيات التي أشرتُ إليها سلفا، ونناقش ما صرح به، فهناك ملاحظات عدة تظهر أن وصف الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء بالكلام الفارغ ينطبق على كلام السيد تبون، لا على أحد سواه.

أول ملاحظة نسجلها هي محاولة الاقتيات والاستغلال المقيت وبانتهازية لقضية فلسطين بإقحامها في العدوان الذي تشنه الجزائر على المغرب لفصله عن صحرائه، فهذا الإقحام لا محل له من الإعراب لأن موقف المغرب ثابت وتاريخي ومبدئي من حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وقد أعاد العاهل المغربي التذكير بذلك في خطاب العرش الأخير.

الموقف المغربي من القضية الفلسطينية تشيد به السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة التي عبرت في كل المناسبات عن اعتزازها وتقديرها للدعم الذي يقدمه المغرب في الميدان لصمود الشعب الفلسطيني، سواء بالمستشفيات والمؤسسات الجامعية وغيرها في غزة والضفة أو من خلال وكالة بيت مال القدس، ودبلوماسيا من خلال لجنة القدس وفي كل المنتديات الدولية.

ويمكن الرجوع الى تصريحات الوزير الأول الفلسطيني في رام الله منذ أيام فقط بمناسبة عيد العرش، كما يمكن الرجوع إلى تصريحات الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن، وإلى تصريحات خالد مشعل واسماعيل هنية… وغيرهم من القادة الفلسطينيين، وصولا إلى تصريحات الزعيم الراحل ياسر عرفات التي تثمن عاليا الدعم المغربي، بينما النظام الجزائري يوزع شعارات فارغة على الفلسطينيين ويتناقض مع حل الدولتين الذي تتبناه السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وكل الدول العربية والأمم المتحدة التي يخادع ويراوغ بها الرئيس الجزائري في تصريحه الأخير، وهذا من الازدواجية في الخطاب والتخبط في السياسة.

كيف تفسّرون تركيز النظام الجزائري على توجيه سهام النقد للمغرب بسبب تطبيع علاقاته مع إسرائيل؟

من تناقضات النظام العسكري الجزائري أنه يهاجم المغرب في علاقاته مع الدولة العبرية بينما لا يجرؤ على أن ينبس بكلمة واحدة في حق أي دولة عربية تقيم علاقات مع تل أبيب، تماما مثلما فعل عندما استدعى سفير كوت ديفوار للاحتجاج على فتح قنصلية في الصحراء المغربية بينما لم يجرؤ على استدعاء سفير أي دولة عربية من الدول التي فتحت قنصليات لها في المنطقة، وهو التناقض نفسه حينما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، إذ لم تُصدر الخارجية الجزائرية بيانا تدين فيه واشنطن، لأن الجزائر أجبن من أن تفعل ذلك، وهذه هي الانتهازية والازدواجية في أقبح صورها.

الرئيس تبون قال تعليقا على اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، إن “فاقدَ الشيء لا يُعطيه”. هل معنى ذلك أن اعتراف إسرائيل لا قيمة له في نظر النظام الجزائري أم هو مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي؟

فاقد الشيء لا يعطيه فعلا، وهذا ينطبق على النظام العسكري الجزائري الذي سيطر على السلطة بقوة الحديد والنار ضد إرادة الشعب الجزائري الذي خرج سنتين ونصف السنة في الحراك الشعبي للمناداة بتقرير مصيره وإسقاط حكم العسكر، وقبل ذلك عاش الشعب الجزائري عشرية سوداء راح ضحيتها ربع مليون جزائري بسبب انقلاب الجيش الجزائري على صناديق الاقتراع في يناير 1992، وبالتالي، فإن النظام الجزائري فاقد للشرعية ولا يمكنه أن يتحدث لا عن شرعية القانون الدولي ولا الأمم المتحدة.

ما تعليقكم على قول الرئيس الجزائري بأن مشكل نزاع الصحراء يجب أن يُحل على مستوى مجلس الأمن والأمم المتحدة؟

الذي يعرقل حل الأمم المتحدة هو النظام الجزائري الذي يرفض تسجيل وإحصاء اللاجئين في مخيمات تندوف ويرفض عودتهم إلى الوطن، ويستعملهم كرهائن وكأصل تجاري لإطالة أمد الصراع، ضاربا عرض الحائط اتفاقية جنيف 1951 حول حقوق اللاجئين والبروتوكولات المكملة لها وكل مواد القانون الدولي الإنساني، بما فيها حقوق الأطفال وعدم تجنيدهم واستغلالهم في النزاعات المسلحة.

النظام الجزائري هو الذي يخرق القانون الدولي والشرعية الدولية، وهو الذي يتناقض مع نفسه ومع القوانين الدولية حين يعترف بكيان وهمي في الوقت الذي مازال يرفع شعار تقرير المصير، وهذا تناقض صارخ يوضح للعالم أننا أمام نظام أخرق وأهوج ومعتوه، لأن الاعتراف بالكيان الوهمي يعني أن الإقليم قد قرر مصيره، وأما مواصلة المطالبة بتقرير المصير فهذا يتناقض مع الاعتراف بجمهورية تندوف، فأي الموقفين الجزائريين نصدق؟!
الشرعية الدولية ممثلة في مجلس الأمن تدعو الجزائر بالاسم في قراراتها الأخيرة إلى مائدة المفاوضات لإيجاد حل سياسي، واقعي ومقبول من الأطراف، والجزائر أعلنت في بلاغات رسمية لوزارة خارجيتها أنها ترفض المشاركة في الموائد المستديرة التي تدعو إليها الأمم المتحدة.

الشرعية الدولية تدعو كذلك إلى الخيار السلمي والسياسي، والجزائر تدعو إلى الحرب؛ فمنذ 13 نونبر 2020، تاريخ تطهير معبر الكركرات، وهي تعلن كل يوم عبر وكالتها الرسمية للأنباء عن شن هجمات دونكيشوطية في الصحراء المغربية.

الشرعية الدولية تدعو أيضا الجزائر من خلال القرارات الأخيرة لمجلس الأمن إلى توفير الأجواء السلمية المناسبة للتقدم في العملية السلمية في ملف الصحراء، والجزائر عمدت إلى تسميم الأجواء بقطع العلاقات مع المغرب وغلق الأجواء في وجه الطيران المدني المغربي والتصعيد الإعلامي ودق طبول الحرب وحشد جيشها وعتادها وعدتها على الحدود.

الجزائر قامت أيضا باستفزاز المغرب عبر اقتحام واحة العرجة قرب مدينة فكيك في مارس 2021 وطرد المزارعين المغاربة من أراضيهم، وقامت باستفزاز المغرب مرات عدة كل سنة من خلال العديد من المناورات الضخمة بالذخيرة الحية على التماس مع الحدود المغربية مباشرة بحرا وبرا وجوا، بالإضافة إلى هجمات عصابات الجبهة الانفصالية على الجدار الأمني، بحسب تصريحات الجزائر نفسها.

ما هي تحديدا غاية الجزائر من استدامة الصراع في الصحراء المغربية؟

كما تلاحظون، الجزائر تسير في الاتجاه المعاكس تماما للشرعية الدولية وتعمل جاهدة بكل ما أوتيت من قوة البترودولار على عرقلة أي حل في الصحراء، لأن إبقاء الصراع يخدم أجندتها الداخلية بإبقاء سيطرة الجيش على السلطة ونهب ثروات البلاد بدعوى مواجهة العدو الخارجي.

إبقاء الصراع في الصحراء يخدم كذلك الأجندة الخارجية للجزائر، حيث يتخذ النظام الجزائري من العداء للمغرب عقيدة الجيش والدولة الجزائرية، لأسباب كثيرة، منها التنصل من اتفاق 1961 مع الحكومة المؤقتة الجزائرية التي تعهدت آنذاك بإعادة الأراضي المغربية التي اقتطعتها فرنسا وضمتها إلى مستعمرتها الجزائرية، وبعد ذلك أصبح إلهاء المغرب وشغله هدفا في حد ذاته، وهو ما عبر عنه الرئيس هواري بومدين بجعل قضية الصحراء حجرة في حذاء المغرب حتى يمنعه من إحراز التقدم والتنمية.

والوقائع التي تثبت عرقلة الجزائر لمسلسل تسوية ملف الصحراء أكبر من أن تُعدّ أو تحصى، أذكر منها رسالة الرئيس الجزائري بوتفليقة سنة 2001 إلى رئيس مجلس الأمن الدولي التي رفض فيها مخطط بيكر الأول لحل نزاع الصحراء.

والجزائر كانت تدفع نحو الحرب الشاملة مع المغرب خلال السنتين الماضيتين، لكنها تراجعت لعدة أسباب، منها الحرب الأوكرانية التي ستحرم الجزائر في حالة إعلان الحرب ضد المغرب من التوصل بقطع الغيار؛ لأن جل أسلحتها روسية الصنع، نظرا إلى حاجة روسيا إلى كل طاقتها الإنتاجية الحربية.

السبب الثاني مرتبط أيضا بالحرب الأوكرانية التي صدمت جنرالات الجزائر بعجز الأسلحة الروسية في مواجهة العتاد الأمريكي والأوروبي الذي يستعمله الجيش الأوكراني، والسبب الثالث يتمثل في نوعية التحالفات التي عقدها المغرب منذ القدم وفي السنوات الأخيرة، ونوعية التسلح الذي جهز به قواته المسلحة الملكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى