تحقيقات

يخود وزير خارجية الجزائري “جولة أوروبية مشبوهة” لضرب مصالح المغرب


بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو التي “قوّل فيها بوتين ما لم يقل” بخصوص قضية الصحراء المغربية، بدأ أحمد عطاف، وزير الخارجية الجزائري، الاثنين الماضي، جولة أوروبية “مشبوهة” تقوده إلى كل من إيطاليا وصربيا وألمانيا.

بيانات الخارجية الجزائرية بشأن لقاءات عطاف مع مسؤولي هذه الدول الثلاث لا تكاد تخلو من إقحام لقضية الصحراء المغربية في “محاولة للتأثير على مواقف العواصم الأوروبية” بشأن هذه القضية، خاصة إيطاليا التي نسفت قبل أسابيع “الدعاية الجزائرية” فيما يتعلق بافتتاح فرع قنصلي لها بتندوف الذي اعتبرته الجزائر حينها “دعما صريحا” لموقفها، قبل أن تخرج روما بتوضيح تؤكد من خلاله تقديرها لجهود الرباط لتسوية عادلة لهذا النزاع المفتعل.

أما في صربيا، فقد كشف عطاف عن ما اعتبره محللون “تناقضا صارخا في المواقف الجزائرية”؛ ذلك أنه عبر لنظيره الصربي إيفيستا داتشيتش عن دعم بلاده للوحدة الترابية لبلغراد ورفضها لانفصال كوسوفو، مقابل تأكيده على “عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار بالنسبة للصحراء”، وفق تعبير بيان الخارجية الجزائرية.

من جهتهم، سجل متتبعون أن هذه الجولة الأوروبية، التي جاءت مباشرة بعد لقاء الرئيس الجزائري بنظيره الروسي في موسكو، تعكس “ارتباكا واضحا في النشاط الدبلوماسي الجزائري وتخوف النظام الجزائري من فرض عقوبات عليه ردا على تقارب مع روسيا”.

عداء للمغرب

عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية، قال إن “الجولة الأوروبية لعطاف جاءت كرد فعل على النجاحات المتتالية للدبلوماسية المغربية في حشد الدعم للخيارات الواقعية التي يطرحها المغرب لحل النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية”.

وأضاف المتحدث أن “هذه النجاحات، إضافة إلى القرارات الأخيرة لكل من القضاء البريطاني والقضاء الفرنسي ثم المواقف العربية المؤيدة للمغرب في اجتماعات اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، كلها مؤشرات تعمق من عزلة الجزائر التي بدأت أطروحتها في فقدان زخمها؛ وبالتالي فإن جولة عطاف تأتي لاستدراج بعض الدول الأوروبية والتأثير على مواقفها من قضية الوحدة الترابية للمملكة”.

وحول دعم الجزائر للوحدة الترابية لصربيا مقابل استمرار رعايتها لجبهة البوليساريو الانفصالية، أوضح العروسي، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “الخطاب الجزائري في هذا الإطار يتميز بالازدواجية والتناقض الصارخ؛ ذلك أنها تدعم مبدأ وحدة أراضي الدول في العديد من مناطق، باستثناء الوحدة الترابية للمملكة التي تصر على اعتبارها قضية تصفية استعمار”.

وتابع العروسي بأن “هذه المواقف المتناقضة تؤكد أن قضية الصحراء المغربية أصبحت الشغل الشاغل للسياسة الخارجية للجزائر، وأن هذه القضية أصبحت تحكم كل تحركات دبلوماسية هذا البلد”، مضيفا أن “الأمر تطور ليصبح عقيدة مترسخة لدى النخبة العسكرية والمدنية الحاكمة في البلاد، إلى درجة أن اختيار الرؤساء وزعماء الأحزاب السياسية في الجزائر يتم بناء على درجة العداء إلى المغرب والولاء لهذه العقيدة التي يعتبر الخروج عنها أو انتقادها خيانة عظمى”.

وخلص المتحدث عينه إلى أن “الجزائر تؤكد في كل مرة أن تحركاتها الدبلوماسية وخطابها السياسي المعادي لكل ما هو مغربي هو خطاب بعيد كل البعد عن الواقعية السياسية والتعامل الجيد مع الواقع الإقليمي والدولي الذي يميل لصالح المغرب؛ في حين تصر الجارة الشرقية على خطابها الذي يطغى عليها أيضا البعد الإيديولوجي”.

استرضاء الغرب

من جهته، أورد إدريس قسيم، باحث في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، أن “الجولة الأوروبية للمسؤول الجزائري، التي تمت بتكليف من الرئيس عبد المجيد تبون، تأتي في إطار محاولة قصر المرادية استرضاء الدول الأوروبية التي لم ترقها كثيرا الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري إلى موسكو، التي تعرف علاقتها مع الغرب توترا كبيرا على خلفية الحرب في أوكرانيا”.

وأضاف المتحدث ذاته أن “الطرف الجزائري يخشى أن تتم قراءة لقاء تبون مع بوتين على أنه اصطفاف ودعم جزائري للمواقف الروسية بشأن أوكرانيا؛ وبالتالي فرض عقوبات على الجزائر، خاصة أن الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، بات يحسب بشكل دقيق وحساس مختلف المواقف والتصريحات المرتبطة بالنزاع الأوكراني، بل ويقيس تحالفها مع الدول على أساس هذه المواقف”.

وخلص قسيم، في تصريحه لجريدة هسبريس، إلى أن “هذه الزيارات المتقاطعة أبانت عن ارتباك واضح وعدم توازن في النشاط الدبلوماسي الجزائري”، موضحا أن “ما يثبت حالة الارتباك هاته هو إصرار الجزائر على إثارة قضية الصحراء المغربية في كل نشاط دبلوماسي في الداخل أو الخارج؛ وهو ما يدل على أن الدبلوماسية الجزائرية تعيش أزمة أولويات وازمة تقدير للرهانات الحقيقية التي يجب أن تشتغل عليها في الواقع”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى