تسريبات

يتارجح موقف الجزائر من المحاكمة الدولية لإسرائيل بين “عجز وتخوف”


أثار عدم خروج الجزائر بأي بيان إشادة ومساندة لحليفتها جنوب إفريقيا فيما يخص خطوة هذه الأخيرة بمقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية على “جرائم الإبادة الجماعية” في قطاع غزة، على غرار ما فعلته مجموعة من الدول آخرها بوليفيا، مجموعة من التساؤلات حول المواقف الحقيقية لقصر المرادية بشأن القضية الفلسطينية التي طالما وصفت الجزائر نفسها كونها سفيرتها وحاملة مشعلها في العالم؛ بل إن الرئيس الجزائري قال، ذات مرة وقبل عملية “طوفان الأقصى”، إنه يتتبع القضية شخصيا.

وفي وقت كان يُنتظر فيه من الجزائر، وبالنظر إلى الخطابات المتكررة لمسؤوليها والمدافعة عن حق الشعب الفلسطيني، أن تقود مبادرة محاسبة إسرائيل أمام المحاكم الدولية وتحشد الدعم الدولي اللازم مع سلوك كل المساطر التي قد تساعد على ذلك أو على الأقل إعلان مساندة خطوة بريتوريا ولو ببيان لخارجيتها، لم يحدث أي شيء من ذلك؛ فيما يرى متتبعون أن هذا التخاذل والعجز الجزائريين في التحرك على هذا المستوى يترجمان ازدواجية الخطاب السياسي الجزائري ويعكسان أيضا “عجز وتخوف” النظام من تكرار أخطائه، واصفين النظام في الجزائر بـ”نظام الشعارات”، بينما رجح آخرون أن يكون عدم إشادة قصر المرادية بخطوة حليفه في العداء للمغرب راجعا إلى “البرود الدبلوماسي” الذي تعرفه علاقات البلدان.

عجز في الواقع

شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، قال إن “الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد صرح، في إحدى المناسبات، بأنه يتتبع القضية الفلسطينية بشكل شخصي، ثم إن عددا من المسؤولين الجزائريين أنفسهم طالما أكدوا أمام وسائل الإعلام على مركزية هذه القضية في السياسة الخارجية لبلادهم؛ لكن ما إن يتعلق الأمر بالواقع العملي والفاعلية المؤسساتية حتى تنتفي كل هذه التصريحات”.

وأضاف بن زهرة أن “المفروض أن تقود الجزائر مبادرة مقاضاة إسرائيل أمام القضاء الدولي وليس جنوب إفريقيا أو على الأقل أن تخرج خارجيتها ببيان مساند لحليفته بريتوريا، فصحيح أن الجزائر لم تصادق على بعض الاتفاقيات التي تؤهلها إلى رفع دعوى قضائية دولية على إسرائيل؛ ولكن باعتبارها دولة تقول إنها حاملة القضية الفلسطينية في العالم العربي فكان عليها أن تساند هذه الخطوة الجزائرية أو أن تسلك مسارات أخرى لمقاضاة تل أبيب، منها المسارات القضائية الأممية باعتبارها دولة عضو في الأمم المتحدة”.

ولفت المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن “النظام الجزائري، لو كان فعلا مؤثرا في القضايا الإقليمية والدولية وله وزن في الساحة الدولية، لكان هو من حرك هذه المساعي الرامية إلى محاسبة إسرائيل أمام المحاكم الدولية ولكان أول من يدعم حليفه الجنوب إفريقي”، موضحا أن “كل هذه المؤشرات تدل بالملموس على أن هذا النظام عاجز عن التدخل في مثل القضايا ويتفنن فقط في الشعارات”.

وأشار إلى أن “الجزائر أعلنت، مؤخرا، عن تقديم منحة إضافية للطلبة الفلسطينيين على أراضيها؛ في حين أن الأولويات في الظرفية الحالية ليست هي تقديم المنح بل التحرك على مستوى المؤسسات الأممية والدولية من أجل مساندة الشعب الفلسطيني والعمل على حل سياسي لقضيته”، معتبرا أن “النظام يفتقد للوزن والهيبة التي تؤهله إلى التحرك على هذا المستوى واختار الجمود والسكوت خوفا من الوقوع في الأخطاء نفسها التي وقع فيها في السنوات الأخيرة”.

ازدواجية الخطاب

أورد وليد كبير، صحافي جزائري معارض، أن “عدم مساندة النظام الجزائري لجنوب إفريقيا، ولو ببيان أو حشد الدعم الدولي لدعم الدعوى التي تقدم بها هذا البلد إلى محكمة العدل الدولية، يمكن إدراجه في إطار ما يمكن أن نسميه بالغيرة السياسية”، مسجلا أن “النظام الجزائري طالما دعا إلى محاسبة إسرائيل؛ غير أنه لم يقدم على أية خطوة في هذا الصدد، وقد يكون الأمر مرتبطا أيضا بعدم توقيع الجزائر للاتفاقيات التي تؤهلها إلى ذلك، مع وجود إمكانيات وسبل أخرى لتحقيق ذلك أو قد يكون مرتبطا أيضا بالبرود في العلاقات الجزائرية الجنوب إفريقية خاصة بعد صفعة البريكس”.

وأضاف كبير أن “طبيعة العلاقات المعروفة التي تربط الجزائر وجنوب إفريقيا وتواقف مواقفهما تجاه عدد من القضايا، أبرزها العداء للمغرب ودعم البوليساريو، كانت تستدعي على الأقل دعما علنيا جزائريا لخطوة بريتوريا؛ لكن ما حدث هو العكس”، مشيرا إلى أن “هذه المسألة يمكن تفسيرها كذلك بتوجس النظام من قيادة جنوب إفريقيا لهذه المبادرة القضائية”.

وأشار الصحافي الجزائري المعارض، في تصريح لهسبريس، إلى أن “خطاب المندوب الجزائري بالأمم المتحدة، في أول كلمة له بعد تولي الجزائر للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، كان خطابا متخاذلا؛ فلم يجرؤ على ذكر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما يدل على ازدواجية الخطاب الجزائري، حيث إن الخطاب الموجه إلى الداخل مناقض تماما لنظيره الموجه إلى الخارج”.

وخلص إلى أن “النظام دأب على هذه السياسة الازدواجية؛ غير أن المختلف هذه المرة هو الظرفية الإقليمية والدولية التي تشهد اهتماما كبيرا من طرف الرأي العام العالمي بما يحدث في الشرق الأوسط وبالمواقف الدولية والمشاورات الأممية علاقة بهذه التطورات.. وبالتالي، فكان الأحرى بالجزائر أن تثبت صدق مواقفها من منصة مجلس الأمن، وليس أن يتبنى مندوبها خطاب الخائف من الوقوع في الخطأ”، مشيرا إلى أن “عددا من الجزائريين، بمن فيهم الموالون للنظام، صُدموا من هذا الخطاب الذي تحاشى ذكر ما دأب النظام على تسميته بأم القضايا في سياسته الخارجية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى