تحقيقات

ماهي أبرز تحديات دبلوماسية المغرب في 2024 و موقف الجزائر منها ؟


يحل العام الجديد على الدبلوماسية المغربية في ظل تراكمات كبيرة حققها المغرب في تدبير ملف وحدته الترابية وسياسته الخارجية، حيث تمكنت الرباط في ظل العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية من تحقيق نجاحات دبلوماسية مهمة في ملف الصحراء المغربية، أبرزها الحفاظ على ثبات كل من الموقفين الإسباني والأمريكي، إضافة إلى حفاظ المغرب هو الآخر على مواقفه الرسمية التاريخية تجاه عدد من الأزمات والصراعات الدولية والإقليمية على غرار الأزمة في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط.

ويرى متتبعون أن عام 2024 سيفرض على جهاز الدبلوماسية المغربية مجموعة من التحديات والرهانات الكبرى، أهمها الرهان المرتبط بتولي الجزائر عضوية مجلس الأمن، إذ ستحاول استغلال موقعها الجديد للانتصار إلى ما تسميه “قضية الشعب الصحراوي”، باعتراف من المسؤولين الجزائريين، إضافة إلى رهانات أخرى مرتبطة بالعلاقات مع مجموعة من الدول في أوروبا والشرق الأوسط، مؤكدين في الوقت ذاته أن المملكة المغربية قادرة، بحكم تجربتها، على تحييد كل هذه التحديات ومواصلة المسار الذي بدأته منذ سنوات لتكريس سيادتها الكاملة على أقاليمها الجنوبية في اتجاه التصفية النهائية لهذا النزاع المفتعل.

تحديات كثيرة وحنكة مغربية

جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، قال: “رغم النجاحات التي حققتها الدبلوماسية المغربية في تدبير ملف الصحراء المغربية، تبقى أمامها العديد من التحديات والرهانات التي عليها مواجهتها منذ اليوم الأول من السنة الجديدة، على غرار تولي الجزائر مقعدا غير دائم بمجلس الأمن، وما يمكن أن تقوم به من مناورات ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية من داخل المجلس ولمدة عامين”.

بالإضافة إلى هذا التحدي الذي ستحاول الجزائر فرضه على الرباط، أشار المتحدث ذاته إلى “ضرورة تثبيت المكاسب التي حققتها الدبلوماسية المغربية في علاقة بقضية الصحراء المغربية، والتي كان أهمها اعتراف الحكومة الإسبانية بمبادرة الحكم الذاتي كحل لإنهاء الصراع المفتعل حول الصحراء، الذي اعتبره وزير الخارجية الجزائري عطاف في حواره التلفزي الأخير بمثابة اعتراف بمغربية الصحراء، لكنه زعم أن إسبانيا تراجعت عن موقفها، وهو ما فسر به عودة العلاقات مع إسبانيا، حسب قوله”.

في أوروبا دائما، لفت القسمي إلى “تحدي العلاقات المغربية الأوروبية والخلافات حول المنتجات القادمة من الأقاليم الجنوبية، وعلاقات المغرب الثنائية مع فرنسا وضرورة تذويب الخلافات مع هذا البلد المهم في القارة الأوروبية، الذي يبقى قريبا من المغرب بحكم قوة العلاقات الاقتصادية التي تربط البلدين”.

وإلى الشرق الأوسط، استحضر المصرح لهسبريس “ما تفرضه الحرب الإسرائيلية على غزة من تحديات بالنسبة للدبلوماسية المغربية، وعلى علاقاتها مع إسرائيل واتفاقات أبراهام الموقعة بين الطرفين، وما قد تشكله هذه الحرب من عرقلة لمسلسل الاتفاقات المبرمة والمزمع إبرامها في المستقبل، خصوصا أمام الموقف المغربي الرافض للحرب الإسرائيلية على غزة”.

وعلى المستوى الإفريقي، لم يخف الباحث في العلاقات الدولية أن “توجه المغرب نحو عمقه الإفريقي قد يواجه بنوع من التشويش على مبادراته من الجانب الجزائري الذي أقر وزير خارجيته بتفوق المغرب طيلة السنوات الأخيرة، وهذا ما قد يفسر رغبة جزائرية لمحاولة تعطيل مسار هذا التوجه المغربي في المستقبل”.

وشدد الباحث عينه على أن “الدبلوماسية المغربية واعية بمختلف هذه التحديات والرهانات، وهي ليست المرة الأولى التي تواجه هكذا تحديات، وقد أثبتت التجارب العديدة قدرتها وحنكتها على تحقيق نجاحات مبهرة في سياق أزمات كبيرة وصراعات جيو-سياسية، وقدرة عالية على توظيف نقاط قوتها العديدة في المكان والزمان المناسبين، بما يتيح خدمة الأهداف الكبرى للسياسة الخارجية المغربية، كما أثبتت جدارتها في التعامل مع الدول الصديقة والخصوم على حد سواء، بطريقة براغماتية تعطي فيها الأولوية للمصالح المشتركة وحماية السيادة والوحدة الترابية للبلاد والأمن القومي”.

محاولات جزائرية ودينامية مغربية

تفاعلا مع الموضوع ذاته ومع الرهان الجزائري على مجلس الأمن لمعاكسة المصالح المغربية، قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، إنها “ليست المرة الأولى التي تتولى فيها الجزائر مقعدا غير دائم في مجلس الأمن، حيث تولت هذا المنصب في مناسبات عديدة ولم تستطع فرض رؤيتها التوسعية على دول مجلس الأمن لإدراك العالم بعدالة المواقف المغربية وكذا النزعة التوسعية للنظام الجزائري على حساب جواره الإقليمي”.

وأضاف البراق أن “المقعد غير الدائم للجزائر في مجلس الأمن يمكن اعتباره [لا حدث] في ظل الانتصارات الكبرى التي حققتها الديبلوماسية المغربية في ملف الوحدة الترابية من خلال مواقف وطنية راسخة تستمد قوتها من التوجيهات الملكية التي حددت بوضوح قواعد الاشتباك الجديدة في الملف على ضوء التغيرات التي عرفها منذ تحرير معبر الكركرات والاعتراف الأمريكي والمنظور المغربي لعلاقاته الخارجية من خلال مواقف دول العالم من سيادته على الأقاليم الجنوبية”.

في هذا الصدد، أوضح المتحدث لهسبريس أن “الدينامية الديبلوماسية المغربية في سنة 2024 ستشتغل في ظل تراكمات إيجابية متعددة والعديد من المتغيرات الإقليمية والدولية التي عرفها الملف، ولديها العديد من الأوراق التي يمكن لصانع السياسية الخارجية المغربية أن يرتكز عليها لتدبير الشأن الديبلوماسي، أهمها تثبيت المغرب لسيادته الكاملة على المعبر الحدودي الدولي الكركرات وتراجع مجموعة من القوى الأوروبية عن مواقفها الاستفزازية السابقة من الوحدة الترابية للمملكة المغربية والاعتراف المباشر والصريح بمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد وأوحد لهذا النزاع المفتعل”.

ومن جملة الأوراق التي تجعل الدبلوماسية المغربية في وضع مريح، يضيف البراق: “التوازن الذي تميز به الموقف المغربي تجاه عدد من القضايا المهمة، على غرار الحرب في أوكرانيا ونجاح جهاز الديبلوماسية المغربية في تحييد ملف الصحراء المغربية عن الصراع الجيو-سياسي العالمي الذي كرسته هذه الحرب، أضف إلى ذلك الموقف المغربي الواضح والتاريخي من النزاع في الشرق الأوسط المرتكز على الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن”.

وشدد الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع على أن “المغرب اليوم يقدم للعالم نفسه كدولة إفريقية بموقع استراتيجي مهم يجعله بوابة إفريقية للعالم، ومشروعه التنموي الإفريقي اليوم كجزء أساسي من استراتيجية وطنية بأبعاد دولية جسدتها علاقات التعاون القوية والروابط الكثيفة والصادقة التي نسجها المغرب وجل الدول الإفريقية الصديقة منذ آلاف السنين وأكدتها الزيارات الملكية التنموية لمختلف ربوع وأقاليم ودول إفريقيا، ثم المبادرات الهامة التي أطلقها المغرب على غرار المبادرة الأطلسية التي ستؤسس لعلاقات طويلة الأمد مع دول الساحل في إطار التعاون واحترام مبدأ سيادة الدول ووحدة أراضيها”.

وخلص البراق إلى أن “الزخم الديبلوماسي الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية نتيجة نجاح استراتيجية القنصليات كفلسفة دبلوماسية وتنموية جديدة تنتهجها المملكة المغربية لترسيخ سيادتها على الأقاليم الجنوبية، ستشهد دفعة قوية خلال العام الحالي وقادم الأعوام”، مشيرا أيضا إلى “الدينامية السياسية التي تعرفها الصحراء المغربية المتمثلة في المشاركة الشعبية المرتفعة في الاستحقاقات الانتخابية وانخراط النخبة السياسية بشكل جدي ومسؤول في تنزيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي يشكل دعامة لترسيخ إدماجها في الوطن الواحد، وتعزيز مكانتها وإشعاعها كمركز اقتصادي دولي حضاري وإقليمي، وذلك وفق مقاربة تنموية شاملة ترتكز على حقوق الإنسان بأبعاد متعددة تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى