تسريبات

عقدة الجزائر صرف الأموال على “البوليساريو” و رسائل تفجيرات السمارة


قال نور الدين بلالي، أحد الأعضاء المؤسسين لجبهة البوليساريو الانفصالية ممثلها السابق في كل من ليبيا وسوريا عضو سابق أيضا في المجلس الملكي لشؤون الصحراء، إن الأحداث والتفكك الذي عرفته الجبهة منذ انتفاضة المخيمات سنة 1988، إضافة إلى فضائح بعض قياداتها، عوامل ضربت مصداقيتها “الثورية”، لتصبح معها في وضع غير مريح، مشددا في الوقت ذاته على أن “شروط الانفصال لا تتوفر في قضية الصحراء المغربية”.

ولفت الدبلوماسي السابق الملتحق بأرض الوطن أواخر ثمانينات القرن الماضي، في الحوار التالي مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن الجزائر ترفض التخلي عن جبهة البوليساريو بسبب تورطها في هذا النزاع وخسارتها المليارات في تمويلها، وبالتالي “فهي تريد تعويضا على ذلك وترفض أن تخرج خالية الوفاض من هذا النزاع”، مسجلا في الوقت ذاته أن “مشكل الصحراء المغربية هو مشكل نخب وتدبير”.

وسجل بلالي أن “مشكل الصحراء المغربية هو بالأساس مشكل نخب وتدبير”، موردا أن “القوى الدولية تستفيد من هذا النزاع وتراهن على استمراريته”، موضحا أن “إسرائيل هي التي تحتاج إلى المغرب وليس العكس. وبالتالي، فإن أي مجهود نقوم به تجاهها يبقى مجرد فضول لا أقل ولا أكثر”.

وهذا نص الحوار كاملا:

أنت كنت من المؤسسين الأوائل لجبهة البوليساريو وقبلها “المنظمة الطليعة لتحرير الصحراء”، سؤالي هنا، ما هو الثابت والمتغير في خطاب الجبهة؟ وهل بوليساريو الأمس هي بوليساريو اليوم؟

بكل تأكيد أن بوليساريو الماضي ليست هي بوليساريو الحاضر، لأنها أولا وقبل كل شيء أُسست في بدايتها بغرض واحد هو طرد الاستعمار الإسباني، وهذا ما نص عليه البيان التأسيسي للجبهة، حيث لم تكن فكرة الانفصال أو إقامة دولة مطروحة أبدا، وأنا أشرفت شخصيا على توزيع البيان التأسيسي وأعطيت نسخا منه للسفارات الأجنبية، بما فيها سفارة الرباط في نواكشوط، غير أنه مع دخول أطراف أخرى من خلال الدعم، خاصة الطرفين الليبي والجزائري، تغيرت مواقف البوليساريو منذ مؤتمرها الثاني لتتحول من طرد المستعمر إلى طموح تكوين دولة مستقلة.

في هذا الإطار، كان للراحل معمر القذافي طموح كبير استحال له أن يُحققه دونما إشعال حرب وصراع جهوي بين المغرب والجزائر، باعتبارهما دولتين كبيرتين ومؤثرتين في محيطهما الإقليمي، ولهذا دعم البوليساريو في بداياتها وكان جد مرتاح للصراع بين الرباط والجزائر، كما أن ليبيا هي التي أسست وجهزت الجبهة على المستوى اللوجستيكي، إذ كان الليبيون أسخياء خلال تلك الفترة بينما كان الجزائريون بخلاء، وأذكر هنا أن أول رشاش “كلاشينكوف” أوتوماتيكي متطور حاربت به الجبهة، كان قادما من ليبيا.

إذن، فإن جبهة البوليساريو في مسار نشأتها وتكونها تحولت من منطق الثورة إلى منطق الدولة، أي حكام ومحكومين، وصولا إلى منطق الطغمة الديكتاتورية.

طيب، ما هو تقييمكم للوضع الحالي للبوليساريو على المستوى الداخلي؟

الوضع الحالي للبوليساريو غير مريح، حيث شهدت الجبهة نوعا من التشرذم والتفكك، إذ شكلت انتفاضة المخيمات سنة 1988 منعطفا تاريخيا مفصليا في تاريخها مع ما رافق هذا الحدث من أعمال قمع وقتل وتعذيب وتنكيل بالصحراويين، لتبدأ بعدها الانشقاقات في صفوف القيادات، سواء من خلال “خط الشهيد” الذي يتزعمه المحجوب ولد السالك أو الحركة التصحيحية التي انطلقت من إسبانيا قبل أن ينشق عنها أحمد بريكلا ليؤسس حركة “صحراويون من أجل السلام”، حيث يُلاحظ أن جميع القوى المعارضة للبوليساريو نشأت وتكونت في الخارج، خاصة إسبانيا، ولا أعرف حقيقة إن كان هذا الأمر ينطوي على نوع من الحنين إلى المستعمر أم إنه يتعلق بوعي هؤلاء المعارضين بأهمية الدعم الخارجي.

إذن، كل هذه الأحداث مجتمعة ضربت المصداقية “الثورية” للبوليساريو، أضف إلى ذلك الفضائح التي تفجرت حول بعض القيادات بشأن ممتلكاتهم في الخارج، غير أننا لا يمكن أن ننفي وجود نواة صلبة مدعومة من الجزائر تتحكم في عملية صنع القرار في الجبهة ومتشبثة بالطرح الانفصالي بالرغم من كل هذا التفكك، مع وجود ساكنة محاصرة في المخيمات تخضع لقرارات القيادة ومغلوب على أمرها.

ألا ترون أن الطرح الانفصالي في عالم اليوم أصبح متجاوزا؟ ثم ألا تجعلنا الوضعية السياسية والأمنية والاقتصادية الحالية لبعض الدول التي انفصلت عن الدولة الأم نتساءل عن جدوى هذا الانفصال؟

الانفصال قد تكون له بعض المبررات المتعلقة بالاختلافات القومية والعقائدية، وهذا ما لا يتوفر في قضية الصحراء المغربية مُطلقا، ثم إن البذرة الأولى لهذا الطرح غذاها الاستعمار الإسباني.

ولكن لماذا تصر بعض الدول على دعم هذا الطرح؟ وما هي مصلحتها في ذلك؟ وأخص بالذكر هنا الجزائر

الأمر يعود في نظري أولا إلى الاختلاف الإيديولوجي التاريخي بين كل من المغرب والجزائر، أضف إلى ذلك أن كلا الطرفين لا يرضى أن يكون الخاسر أو المهزوم في هذا الملف. وهنا أذكر أن أحد أصدقائي الليبيين، الذي كان رئيسا للجنة التضامن الليبي مع الثورة الجزائرية، حكى لي أن أحمد بن بلة، الرئيس الجزائري الأسبق، قال يوما خلال جلسة نقاش تناولت هذه المسألة إن “الجزائر إذا تخلت عن البوليساريو، فإن المغرب سيقوم بتسليحها وسيواجُهنا بها انتقاما منا”.

كما أن محمد بوضياف، الرئيس الأسبق هو الآخر والصديق المقرب من المغرب، قال في إحدى مقابلاته الصحافية إنه يريد فعلا أن يحل مشكل الصحراء، لكنه أردف: “من سيعوضنا عن الأموال التي خسرناها”، وهذه في نظري هي عُقدة الجزائر لأنها تورطت في هذا النزاع، ولأكثر من خمسين سنة وهي تصرف الأموال على البوليساريو، وبالتالي فهي تأبى أن تخرج من هذا المأزق بخفي حنين.

إذن ما هو الحل لهذا النزاع في نظرك؟

الحل يكمن في الحوار وفي التقاء إرادتي كل من المغرب والجزائر لتصفية هذا النزاع، لأن كل حروب العالم ونزاعاته انتهت بالحوار والتفاهم اللذين يُعدان من سنن هذه الحياة، وبعيدا عن التدخلات الخارجية؛ لأنه لا الأمم المتحدة ولا الاتحاد الإفريقي ولا إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على أن تأتي بحل لهذا النزاع، وبالتالي فعند وجود إرادة سياسية حقيقة لتسوية هذا الملف، كن على يقين أنه سيُطوى وستصفق البوليساريو للحل الذي تقبله الجزائر.

هل أفهم من كلامكم أن القوى الدولية الكبرى تراهن على استمرارية هذا النزاع وتستفيد منه؟

بطبيعة الحال، الدول المؤثرة تستفيد من استمرار النزاع بين المغرب والجزائر لابتزاز كليهما ومساومتهما بشأن مواقفها السياسية، وبالتالي فهي لن تسمح بشكل أو بآخر بتصفية هذا الملف إلا إذا قررت الجزائر والرباط أن تنفضا عنهما غبار التبعية وتغلبا منطق العقل، وهذا كما سبق أن قلت يحتاج إلى إرادة سياسية قوية.

فلنأخذ الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، فهي تعتبر إسرائيل وحدة في جيشها النظامي تعمل من أجل الحفاظ على مصالحها في منطقة غنية بالثروات وترتبط بها سعادة الشعب الأمريكي، وبالتالي فهي تحاول أن تُحبب العرب في إسرائيل، أضف إلى ذلك أننا اليوم في منطقة المغرب العربي بعيدون كل البعد عن الشرق الأوسط ومشاكله، وأي مجهود نقوم به تجاه إسرائيل يبقى من باب الفضول ليس إلا، غير أن أمريكا، ولأن تل أبيب منبوذة عربيا وإسلاميا، فإنها مستعدة لإعطاء موقف لأي طرف يقبل أن يتعامل مع هذه الدولة ومساومتها بذلك حول القضايا التي تهمها.

أما القول بأن إقامة علاقات مع إسرائيل سيساهم في تحقيق التنمية والأمن في المنطقة، فيبقى كلاما فارغا، وهنا أتساءل: ما الذي قدمته إسرائيل لمصر والأردن اللتين طبعتا معها منذ عقود؟ ثم كيف تتم المراهنة على أن تأتي دولة لم تستطع أن تحل مشكل غزة الصغير ومن آلاف الكيلومترات لتساعدك على حل مشاكلك؟ إذن، خلاصة الأمر أن إسرائيل هي التي تحتاج المغرب وليس العكس، والقوى الدولية تحتاج وتقتات على الصراعات المحلية ولن تساعد أبدا في حلها.

بعض القيادات السابقة في الجبهة باتت تعترف بأنه لا حل لهذا الملف في ظل وجود البوليساريو، ذلك أن الطرف الجزائري الحاضن لها لا يريد أصلا لهذا الملف أن يُحل، ويقولون بأن المغرب عليه أن يبحث عن شريك آخر للتفاوض معه، ما تعليقكم على هذا الأمر؟

من أين سنأتي بهذا الشريك؟ دعني أقول هنا، وكما سبق أن ناقشنا مع إدريس جطو لما كان وزيرا للداخلية، أنه بدون مسؤولين مواطنين ووطنيين صادقين ومناضلين في الصحراء المغربية، لا يمكن أن نقتلع فكرة الانفصال من جذورها؛ لأنه وللأسف الشديد هناك مجموعة من الممارسات التي تغذي الطرح الانفصالي وتزكيه في عقول المواطنين الصحراويين المغاربة.

كيف ذلك؟

على سبيل المثال، حينما تبشر جبهة البوليساريو بالجنة الموعودة وتروج لدعاية مفادها أن الثروات تنهب بينما يهُمش الصحراويون، فإن ذلك يتطلب منا مجهودا إقناعيا وتنمويا كبيرا لمواجهة هذا الخطاب الدعائي، وليس تزكيته بالممارسات. فلنأخذ أيضا كمثال ملف العائدين إلى أرض الوطن، الذين تنطوي تسميتهم على كثير من التمييز، إذ يقال عن العائد إنه مؤمن بين كفرين: كفر الانفصال الذي يُلاحقه وكفر الارتزاق الذي يُلاصقه، حيث ترى فيه بعض النخب التي تخاف أن تُهمشها الدولة منافسا لها وخصما. وبالتالي، فإذا أردنا أن نواجه هذه الدعاية الانفصالية، يجب أولا أن نخلق شفافية وعدالة مُرضية في إطار التمييز الإيجابي لصالح الأقاليم الجنوبية للمملكة باعتبار وضعها الاستثنائي.

إذن، فإن المشكل في الصحراء هو مشكل نخب؛ لأن النخب في العالم بأسره هي التي تؤثر وهي التي تخلق الصراعات، إذ هناك نخب تستفيد من استمرار هذا النزاع ولا تريد له أن يُحل؛ لأنها تعتبره بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا، ومن هذا الذي يريد لهذا النوع من الدجاج أن يموت؟ وإذا تحدثنا عن النخب، فإننا نتحدث عن التدبير، ذلك أن هناك تدبيرا يصنع الانفصال وآخر يصنع الوحدة، وكما قلت في كتاب لي بعنوان “من أجل الصحراء حتى لا تتكرر الأخطاء”، إسقاطا، فإنه “في التدبير تكمن الشياطين”، فقد يكون هناك مشكل في هذا التدبير في مناطق أخرى من المغرب، لكن ليس بالحدة التي هو عليها بالأقاليم الجنوبية للمملكة، إذ تصرف ميزانيات ضخمة على الصحراء المغربية لكن لا أثر لها على أرض الواقع، على الرغم من وجود مشاريع ضخمة وبنيات تحتية مهمة، لكن ما أعنيه هنا بالدرجة الأولى هو الإنسان وليس البنيان.

كسؤال أخير وعلاقة بحادث السمارة الأخير الذي أعلنت بعض قيادات البوليساريو عن مسؤوليه الجبهة عنه، كيف ترون هذا التطور؟

هذا الحادث في نظري يمكن قراءته من زاويتين؛ الأولى مرتبطة بالظرف السياسي والتوقيت المتعلق بجلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة من خلال محاولة إظهار أن الحرب مستمرة في المنطقة. أما الزاوية الثانية، فترتبط برسالة تريد البوليساريو أن توجهها إلى المغرب كونها أصبحت تمتلك وسائل لوجستية جديدة لم تكن تتوفر عليها في السابق، لأنني لا أعتقد أن الجبهة ستقدم على هذه الخطوة بدون أن تتحسب لرد الفعل المغربي، حيث كانت الأسلحة التي تحوزها لا يتجاوز مداها 22 كيلومترا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى