تحقيقات

تمسك إسبانيا بدعم الحكم الذاتي في الصحراء و آمال نظام الجزائر تتحطم على صخرة


على الرغم من محاولات المعسكر الانفصالي، الذي تتزعمه الجزائر ومن ورائها البوليساريو ومعهما بعض الأحزاب السياسية الإسبانية المعروفة بعدائها التاريخي للمغرب، من أجل التأثير في الموقف الذي عبرت عنه الدولة الإسبانية عنه في أبريل من العام الماضي والداعم لمقترح الحكم الذاتي؛ فإن هذه المحاولات باءت كلها بالفشل كما فشلت معها كل المراهنات الانفصالية على تغيير حكومة سانشيز التي جدد وزير خارجيتها، خوسيه مانويل ألباريس، أمس الخميس، على هامش زيارته إلى الرباط، موقف بلاده مؤكدا أن “هذا الموقف لم يتغير”.

زيارة استبقتها جبهة البوليساريو بالتعبير عن أمل مفقود في أن لا تؤدي هذه الزيارة إلى ما أسماه “مندوبها” في إسبانيا بـ”المساس مرة أخرى بحقوق الشعب الصحراوي”، مطالبا رئيس الوزراء بيدرو سانشيز بالتحلي بالشجاعة والتراجع عن الموقف الذي عبرت عنه حكومته، وهي الشجاعة ذاتها التي تحلى بها ألباريس لينسف من الرباط لعبة المراهنات الداخلية والخارجية على تغيير موقف بلاده بهذا الخصوص، مؤكدا في الوقت ذاته أن العلاقات بين البلدين آخذة في التطور مع حجم المشاريع المشتركة التي تربطهما وعلى كافة المستويات.

حسم استراتيجي ورفض للإيديولوجيات

سعيد بركنان، محلل سياسي، قال إن “مدريد حسمت موقفها وموقعها الاستراتيجي إقليميا منذ ما يزيد عن 18 شهر؛ أولا عندما أيدت سيادة المغرب على صحرائه، ودعمت بشكل كامل مقترح الحكم الذاتي الذي يدفع به المغرب كحل سياسي وحيد لإنهاء الصراع المفتعل حول صحرائه. وثانيا، عندما اختارت أن تأخذ شراكاتها مع المغرب بعين الاعتبار الشروط التي وضعتها الرباط لتقييم صدق العلاقات الخارجية التي تجمعها مع باقي الدولة”.

وتفاعلا  حول دلالات إعادة تأكيد إسبانيا لموقفها بهذا الخصوص، أوضح بركنان أن “التأكيد الإسباني لهذا الموقف هو رسالة سياسية من الدولة الإسبانية لدول الجوار الإقليمي للبوليساريو بأن الواقع الحالي لعلاقات إسبانيا بجارها المغربي أصبح مصيرا سياسيا مشتركا تحكمه شراكات اقتصادية وأمنية وثقافية ورياضية تجعل من البلدين سوقا استثماريا كبيرا يربط بين إفريقيا وأوروبا”.

وأضاف المحلل السياسي ذاته أن “الشراكات، التي وُقعت من قبل أن ينضاف إليها التنظيم المشترك لكأس العالم 2030، تحمل دلالات على أن مستقبل المنطقة الإقليمية لا يمكن أن يستمر في التأرجح هذه النقطة الرمادية التي يعلوها جمرها الرماد في وقت يمكن أن يُستغل في خلق سوق اقتصادي إقليمي منطقه الشراكة في الاستثمار والربح”.

وأشار إلى أن “تجديد الدعم من طرف الدولة الإسبانية هو كذلك رسالة سياسية قوية إلى الأحزاب السياسية الإسبانية التي كسبت رهان الانتخابات وعجزت عن تشكيل حكومتها قبل أن يعود لقيادتها وتشكيلها الحزب الذي قاد الحكومة الإسبانية إلى الاعتراف بالسيادة المغربية على صحرائه؛ ومنها بعض الأحزاب التي توالي أطروحة الانفصاليين وموقف البوليساريو والجزائر. هذه الرسالة مفادها أن موقف الدول الإسبانية موقف استراتيجي أخذته هذه الدولة من منطلق دراساتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية التي تعبر عن موقف مدريد الموسوم بالاستمرارية”.

وخلص المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن “التشبث الإسباني بدعم مخطط الحكم الذاتي ينطوي على رسائل سياسية واضحة موجهة بالأساس للداخل الإسباني بأن مستقبل إسبانيا الإقليمي لا يمكن أن يترك مصيرا مبنيا على مواقف إيديولوجية حزبية تحابي أنظمة تعتبر هي نفسها تهديدا لاستقرار المنطقة واستقرار البلدين وأمنهما القومي”.

مشاركة فعلية ومراهنة فاشلة

من جهته، أوضح علي بيدا، رئيس الفرع الجهوي لـ”المركز الدولي للدفاع عن الحكم الذاتي بجهة العيون الساقية الحمراء”، أن “زيارة ألباريس للمملكة المغربية وتجديد التأكيد على دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي يندرج في إطار تكريس العلاقات الوطيدة والجيدة بين البلدين الجارين. كما أن هذا الدعم هو دليل واضح وراسخ على أن إسبانيا لم تعد تريد أن تلعب دور المتفرج في هذا النزاع؛ في حين أن أمامها إمكانية المشاركة بفعالية في حله عبر اتخاذ هذا القرار، لا سيما أنها الدولة الوحيدة التي لها دراية كاملة بهذا الملف باعتبار أن الصحراء المغربية كانت مستعمرة إسبانية”.

وفيما يخص بعض الأصوات الداخلية الإسبانية المعاكسة للتوجهات الاستراتيجية لمدريد، أشار المتحدث لهسبريس إلى أن “هذه الأصوات النشاز داخل إسبانيا، والتي تحاول التأثير على القرار الرسمي الداعم للمغرب وتتبنى أطروحة داعمة للبوليساريو، لم ولن سيكون لها أي تأثير على السياسة الخارجية الإسبانية.. لسبب بسيط هو ضعف هذا التيار أولا، وثانيا لكون العلاقات المغربية الإسبانية أعمق بكثير من أن تؤثر فيها هذه أصوات من هذا النوع”.

وشدد بيدا على أن “الموقف الإسباني مؤشر قوي على فلسفة دبلوماسية إسبانية جديدة قوامها أن المغرب بلد جار وشقيق لا يشكل أي مصدر تهديد للمصالح القومية لهذا البلد الأوروبي؛ بل العكس تماما، أي أن الشراكة مع المغرب تحصن مصالح مدريد ليؤسس البلدان على إثر هذا المعطى لشراكة استراتيجية من خلال الاتفاق التاريخي الذي جمع بين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده ورئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، في السابع من أبريل 2022؛ على أساس توطيد العلاقة بين البلدين، وفتح مرحلة جديدة من العمل المشترك مع تطابق في المواقف حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك”.

واعتبر رئيس الفرع الجهوي لـ”المركز الدولي للدفاع عن الحكم الذاتي بجهة العيون الساقية الحمراء أن “هاته الصفحة الجديدة في العلاقات المغربية الإسبانية كانت بمثابة صدمة حقيقية للجارة الشرقية؛ الأمر الذي دفع الجزائر إلى الاحتجاج من خلال لعبة السفراء، وهو ما جعل منصب سفيرها بمدريد يبقى شاغرا لحفظ ماء وجهها، غير أن الجزائر تضررت بشكل كبير من هذا القرار لكونها لا تمتلك عناصر القوة والضغط قبل أن تسمح بعودة سفير الجزائر لإسبانيا بشكل أحادي ومُحرج”.

وخلص المتحدث ذاته، إلى أن “الجزائر ومعها البوليساريو راهنتا على الانتخابات الرئاسية الإسبانية لتراجع مدريد عن موقفها وحاولتا التشويش على التقارب الإسباني المغربي وتحريض بعض الأصوات الإسبانية ضده؛ غير أن تجديد الثقة في سانشيز ومعه ألباريس، مهندس تصحيح العلاقات مع الرباط، كان بمثابة صدمة حقيقية للبوليساريو ومن خلفها الجزائر اللتين بدأ الخناق يشتد حولهما أمام اقتناع المنتظم الدولي بضرورة الحسم في هذا النزاع على أسس واقعية وجدية على اعتبار أن استمراره إنما يفتح المجال للمزيد من التجاذبات ويفتح ساحات جديدة للتنافس الدولي بما يهدد السلم والأمن الدوليين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى