تحقيقات

الجزائر في حكايتان والألم واحد


احترام التوقيت في المؤتمرات التي تنظمها الأمم المتحدة سواء بنيويورك أو بجنيف، هو عقيدة لا يجب الإخلال بها. وإذا ما اضطرّ رئيس (ة) الجلسة إلى تجاوز الوقت بدقائق، تشعر بتوسله واعتذاره للمترجمين وللحضور وهو (حشمان).

خلال حضوري أحد المؤتمرات وبعد أن توقفت أشغال الجلسة العامة لمدة ساعة من أجل الغداء، انساب أكثر من 4 آلاف مشارك ومشاركة، بنظام وانتظام وحضرت الكثير من القهوة والماء وقليل من “السندويشات” الصغيرة المحشوة بالجبنة والتونة والدجاج البارد. في حين غاب “رحال” وغاب “الطاجين” وغابت “الشهيوات” و”البسطيلة” و”المشوي”.

تجاذبت الحديث مع الواقف أمامي ونحن نرتشف القهوة ونعلق على الكلمة القوية التي ألقاها الملك عبد الله الثاني في الجلسة الافتتاحية، بادرته بالقول: الأخ عراقي؟ رد بأدب “أَيْوَة ” أنا فلان، ديبلوماسي عراقي. وأنتم سيدي من…. تلعثم فأنقذته وقلت له أنا مغربي من المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ فانشرح وقال تشرفنا وشكرا لأنك أعفيتني من الحرج وحكى لي ما يلي

“صباح هذا اليوم عند بداية أشغال المنتدى التقيت بمدخل القاعة بثلاثة شبان كانوا في غاية الانشراح وسمعتهم يتحدثون بالعربية المحشوة بكلمات أجنبية؛ فقلت لهم: صباح الخير… الإخوة من المغرب؟

تعكر الجو وتجهمت الوجوه، وجماعة صاحوا لماذا “المُغْرِبْ”؟ اعتذرت بأدب إن كنت قلت ما يستوجب ذلك؟ فقال كبيرهم نحن من الجزائر. قالها وهو يصب جام غضبه على حرف الجيم ويضخمه حتى نطقها (الدزاير) وأضاف أنا أستاذ جامعي والأخوين من المجتمع المدني. كررت اعتذاري وانسحبت وأنا لا أعلم ما هي الزلة التي ارتكبتها؟”.

ما كنت سأتوقف عند هذه الحكاية العابرة لو كان الأمر يتعلق بمسؤولين جزائريين فالأمر معلوم. فنحن كنا دائما نعتبر أن قضية الصحراء المغربية هي قضية المغرب بإجماعه، مقابل مناورة نظام بالجزائر في عزلته. لكن رد فعل هذا الجامعي وفاعلين مدنيين مع ما يتم تداوله عبر شبكات التواصل الاجتماعي جعلني أتساءل.

هل توفقت “بروباغندا” العسكر في شحن الرأي العام وتهييج الشارع الجزائري؟ أمازالت قناعتنا بأن النظام هناك، هو مجرد قوس سيغلق لزوما لكونه يعاكس التاريخ ويحمل في طياته أسباب زواله؟ وأن الحكاية مسألة وقت فقط؟ أمازلنا نحلم بأن الفضاء المغاربي إما سيكون ديمقراطيا أو لن يكون؟

في اليوم الموالي وفي اللقاء الدولي نفسه، ساقني الحديث مع دبلوماسيين سودانيين قادمين من الخرطوم إلى الخوض في الوضع الأمني في السودان، وآفاق العملية السياسية رغم تشعبها لكثرة الأيادي التي تعبث بالبلاد. فكان أن عرضا علي صورا توصل بها أحدهما في حينه على هاتفه، لقطع سلاح متنوعة تحمل شعار بلد عربي كبير ومسلم تم ضبطها بحوزة المسلحين. وبحسرة قال “هذا ما يؤلمنا”!

وبدون فاصل قال وأنتم ما قصة هذا الجار؟ وحكى لي ما تقوم به الدبلوماسية الجزائرية ومصالحها المتعددة من ضغط في ملف ترشيح المغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان بجنيف الذي سيحسم في الأيام المقبلة.

هذا المجلس الذي أنشئ سنة 2006، بقرار للجمعية العمومية للأمم المتحدة المكون من 47 دولة أعضاء ينتخبهم أغلبية أعضاء الجمعية العامة بالاقتراع السري المباشر.

ومجلس حقوق الإنسان هو الجهة الرئيسية في الأمم المتحدة المختصة بضمان وتعزيز الحريات الأساسية على المستوى الدولي.

وبما أن الرئيس الحالي فاتسلاف باليك من التشيك وهو الرئيس السابع عشر للمجلس ستنتهي ولايته نهاية هذه السنة وبما أن المغرب هو المرشح الذي تدعمه الجامعة العربية في اجتماعها الأخير، فقد اختارت الجزائر أن تعاكس الأمة العربية قبل المغرب وتسخر كل إمكاناتها المادية والسياسية والدبلوماسية لدعم ترشيح جنوب إفريقيا.

قال لي الديبلوماسي السوداني “كنت سأعتبر الأمر عاديا لو كان الإخوة في الجزائر يقومون بكل هذا الضغط على الأعضاء وكل هذه “الشوشرة” في الإعلام لدعم ترشيح بلدهم.”

لا أعتقد أن هناك طالبا مبتدئا في العلوم السياسية مازال يؤمن بأن محور إفريقيا الآن هو الجزائر- نيجيريا – جنوب إفريقيا. فكثير من المياه جرت تحت الجسر منذ ذلك الحين وكثير من الغاز سيجري فوقه بعد حين.

فعاد محاوري وختم قائلا: “ما يؤلم الشجرة ليس الفأس… ما يؤلمها حقا أن يد الفأس من خشبها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى