تحقيقات

اعتبار الجزائر “دولة منبوذة” لعزلتها كنمودج كوريا الشمالية في القارة الإفريقية


من أزمة دبلوماسية إلى أخرى، تقدم الدولة الجزائرية مثالا حيا ونموذجا يستحق الدراسة لـ”الدولة المنبوذة” التي عزلت نفسها عن محيطها الإقليمي بسبب سياستها الخارجية التدخلية في الشؤون السيادية لجيرانها، وأخطائها الإستراتيجية التي جعلتها تقترب من تحطيم الرقم القياسي العالمي كأكثر بلد من حيث الأزمات التي تعرفها علاقاته مع دول العالم عموما، ومع دول محيطه القريب على وجه الخصوص.

ويبدو أن المغرب لم يعد الدولة الوحيدة الجارة للجزائر التي اكتوت بنار عدائها وتدخلها في شؤونها الداخلية، بل تجاوزت أنياب العداء الجزائري السامة الرباط لتستقر أولا في النيجر، التي دعا حكامها الجدد صراحة الجزائر إلى الاهتمام بشؤونها الداخلية وعدم حشر أنفها في أزمة النيجيريين، خاصة بعد ادعائها قبول أطراف النزاع في هذا البلد وساطتها في أزمتهم. وقبل النيجر أزمة على الحدود مع ليبيا، خاصة مع الجنرال الليبي خليفة حفتر الذي يتبادل العداء مع جنرالات الجزائر.

وإلى مالي، التي استدعت أمس الجمعة سفيرها لدى الجزائر بعض الخطاب شديد اللهجة التي وجهته الخارجية المالية إلى قصر المرادية، واتهامه بالتدخل في الشؤون الداخلية لباماكو، على خلفية ما وصفه بلاغ خارجية هذا البلد بـ”الأعمال غير الودية التي قامت بها السلطات الجزائرية تحت غطاء عملية السلام في مالي”؛ فيما سبق لجريدة هسبريس أن علمت من مصدر مطلع على ملف أزواد في هذا البلد أن الجزائر استدعت قبل أيام قيادات لأزواد لبحث الوضع على الحدود المالية الجزائرية.

قائمة أزمات الجزائر تجاوزت إفريقيا لتشمل أوروبا، التي سبق أن قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إحدى دولها، ويتعلق الأمر بإسبانيا، على خلفية دعم الأخيرة الطرح المغربي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، قبل أن تبدي استعدادها مؤخرا للتراجع عن هذه الخطوة على خلفية فشل رهانها على تغيير الموقف الإسباني؛ دون أن يفوتها أن تحاول صنع أزمة جديدة في آسيا، وبالضبط مع الإمارات التي يشن إعلامها الرسمي والموالي حملات إعلامية مُمنهجة ضدها منذ شهور.

ويرى متتبعون للشأن الجزائري أن هذه الدولة المغاربية تعيد إنتاج نموذج دولة كوريا الشمالية في المنطقة، هذه “المعزولة والمنبوذة” من طرف أغلب دول العالم، التي يبدو أن نموذجها بات يستهوي كثيرا صناع القرار الجزائريين؛ فيما يعتبر آخرون أن الطريقة التي تدير بها الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع عدد من الدول لا يمكن إلا أن تكرس عزلتها وتضر بمصالح شعبها.

أزمة عقل ونموذج كوري شمالي

شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، قال إن “سلسلة الأزمات السياسية والدبلوماسية التي افتعلها النظام الجزائري في السنوات الأخيرة، مع الدول في محيطه الإقليمي وفي أوروبا وآسيا، تؤكد بالملموس الأزمة التي يعيشها العقل الإستراتيجي لهذا النظام الذي وضع الدولة الجزائرية في عزلة غير مسبوقة، إذ لم تعد لها أي علاقات طبيعية مع الدول المحيطة بها، اللهم مع تونس”.

وأضاف بن زهرة، في تصريح لهسبريس، أن “الطريقة الحالية التي يدير بها النظام الجزائري علاقاته الخارجية تؤكد كذلك غياب رؤية داخلية لهذا النظام على المستوى السياسي والاقتصادي، وعدم فهمه طبيعة المراحل السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية التي تقتضي تقوية العلاقات مع الدول الجارة، على أساس مبدأ حسن الجوار وليس خلق أزمات جديدة، الجزائر اليوم هي في غنى كلي عنها”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “غياب الرؤية في ما يخص أولويات السياسة الخارجية الجزائرية ورهاناتها جعلت من الجزائر أكثر دولة منبوذة في العالم في الفترة الحالية، لتحاكي بذلك الدولة الجزائرية النموذج الكوري الشمالي بعدد الأزمات الدبلوماسية مع بلدان العالم”، مشددا على أن “استمرار الجزائر في هذه السياسة غير المدروسة وافتعال أزمات مع دول جارة، كالمغرب، ومع دول لها تأثير كبير، كالإمارات وإسبانيا، ستجلب على هذه الدولة كوارث سياسية أكثر من تلك التي تعيشها في الوقت الحالي”.

وخلص الناشط السياسي الجزائري المعارض إلى أن “النظام فشل في أكثر من مناسبة في وضع تقدير موقف جيد لطبيعة التحولات الجيو-سياسية الكبرى التي يشهدها العالم، على غرار انحيازه لروسيا في أزمتها مع أوكرانيا، وهو ما دفع عددا من السيناتورات الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي للمطالبة بتوقيع عقوبات عليه”، مشددا على أن “الوضع الحالي لطبيعة العلاقات الجزائرية مع عدد من القوى الإقليمية والدولية لا يُبشر بالخير، سواء بالنسبة للمنطقة أو بالنسبة للشعب الجزائري نفسه”.

فقدان للبوصلة وتهديد للمصالح

من جهته قال وليد كبير، صحافي جزائري معارض، إن “تنامي عدد الدول التي تشهد علاقاتها مع الجزائر توترات وأزمات دبلوماسية مؤشر على أن النظام الحاكم فقد البوصلة السياسية، ولم يستطع المحافظة على طابع الاتزان الذي كانت تتم به سياسته الخارجية مثلما كان عليه الحال في فترات سابقة من تاريخ البلاد”، مشددا على أن “أزمات الجزائر تجاوزت الأزمة الدبلوماسية مع المغرب لتمدد إلى دول الجوار الإقليمي التي لم تعد هي الأخرى راضية عن السياسة الخارجية لهذا النظام وعبرت عن ذلك علنية”.

وأضاف كبير أن “الأمر أصبح يتجاوز المغرب ومالي والنيجر وليبيا والإمارات وغيرها، لتبدأ في الآونة الأخيرة بعض مؤشرات الخلاف مع موريتانيا، خاصة بعد زيارة رئيس هذه الأخيرة إلى أبوظبي، إضافة إلى ضعف الانسجام المعهود في المواقف ما بين قصر قرطاج وقصر المرادية، وبالتالي فإن الجزائر أضحت لها مشاكل مع كل الجيران، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن هذه الدولة التي تسير النخبة العسكرية دبلوماسيتها أصبحت في عزلة تامة بسبب القرارات الخاطئة والخيارات غير الإستراتيجية التي تبناها النظام”.

وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول الانعكاسات المحتملة لهذه العزلة على مستقبل هذا البلد على المديين القريب والمتوسط، أوضح الصحافي المعارض أن “ما يحدث أمر خطير جدا، ذلك أن فشل هذا النظام على المستوى الداخلي انعكس أيضا على المستوى الخارجي، إذ إن تراكم هذه الخلافات واتساع رقعتها سيلقي بظلاله حتما على التواجد الجزائري في الساحة الدولية وعلى صورة البلاد أمام المنتظم الدولي”.

وشدد المتحدث ذاته على أن “شراء هذا النظام عداوات مجانية مع أغلب الدول سيؤثر كذلك على الوضع الاقتصادي الداخلي، وعلى تدفق الاستثمارات الأجنبية على الجزائر، خاصة من الدول المعنية؛ ذلك أن المستثمرين اليوم يبحثون عن دول لا تؤثر خلافاتها السياسية مع الدول الأخرى على وضعهم ورؤوس أموالهم، أضف إلى ذلك الانعكاسات السلبية لهذا الوضع الجديد على مصالح الجزائريين في الخارج أيضا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى