اتهام تبون للمغرب بتهديد استقرار الجزائر

في كل مرة يُحس فيها بتراجع شعبيته أو بتزايد عزلته الإقليمية والدولية نتيجة أخطائه وخطواته غير المحسوبة يسارع النظام الجزائري إلى إعادة تذكير الجزائريين بأن المغرب هو “سبب مشاكلهم ومآسيهم”، مرة على لسان قائد الجيش، السعيد شنقريحة، ومرات أخرى على لسان الرئيس، عبد المجيد تبون، الذي لا يكاد يخلو خطاب من خطاباته من إقحام للمغرب بمناسبة أو بدونها.
وفي آخر حلقات مسلسل “الهجوم المتكرر على المغرب”، قال عبد المجيد تبون، أمس الأحد، بمناسبة إشرافه على تمرين تكتيكي للجيش الجزائري بولاية الجفلة، إن “السياقات الجيوسياسية الإقليمية تزيد من عزمنا على مواصلة تطوير وعصرنة منظومة الدفاع الوطني، بهدف حماية أمننا ومصالحنا الوطنية الحيوية والدفاع عن حدودنا البرية والبحرية ومجالنا الجوي”.
وأضاف ساكن قصر المرادية أن “الجزائر كانت ومازالت قلعة سلم وأمان، ولم يسبق في تاريخها أن كانت مصدر تهديد لأحد، منطلقها في ذلك مبدأ حسن الجوار”، وزاد: “المحاولات لزرع الاضطرابات في جوارنا تستدعي من الجيش مواكبة التطورات الأمنية والعسكرية، حرصا على التأمين الشامل لحدودنا الوطنية وحماية المواقع الإستراتيجية والتصدي للهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات الأسلحة، ومؤخرا العملة المزورة، ومن البلد نفسه”، في إشارة إلى المملكة المغربية، التي اتهمها بيان صادر عن المديرية العامة للأمن الوطني في الجزائر، الأسبوع الماضي، بالوقوف وراء “شبكة إجرامية أدخلت عملات مزورة إلى البلاد لضرب الاقتصاد الوطني”، على حد ادعائه.
من جهتم اعتبر مراقبون أن الرئيس الجزائري يُناقض نفسه وسياسة بلاده بالإدلاء بهكذا تصريحات، ويؤكد مرة أخرى أن النظام الجزائري لا شغل شاغل له إلا المملكة المغربية التي على ما يبدو “أصبحت مادة دسمة لتنويم الجزائريين”، إضافة إلى أن هناك مجموعة من الوقائع والأحداث التي أثبتت زيف ما يدعيه الرجل.
خطاب متناقض
وليد كبير، ناشط سياسي جزائري معارض، علق على كلام عبد المجيد تبون بالقول إن “هذه التصريحات تؤكد مرة أخرى أن النظام الجزائري متسمك بسياسته المعتادة وتصوير المملكة المغربية كونها العدو الأول والوحيد للشعب الجزائري”، مضيفا أن “اتهام المغرب بمحاولة إغراق الجزائر بالعملات المزورة تصريح لا يليق برئيس دولة، ويعكس مستوى الخطاب السياسي للنخبة الحاكمة في البلاد”.
وأضاف المتحدث عينه، في تصريح لجريدة رسمية الإلكترونية، أن “النظام الجزائري إنما يحاول بتصويب فوهته نحو المغرب وادعاء تورطه في تهريب المخدرات التغاضي وصرف الانتباه عن تورط كبار القادة العسكريين الجزائريين في عمليات لتهريب الكوكايين من أمريكا الجنوبية نحو الجزائر”.
“يصعب على العقل السليم تصديق كلام الرئيس الجزائري”، يورد كبير، موضحا أن “نخب النظام الجزائري أصبحت مهووسة بالمغرب إلى درجة أنها لم تعد حتى تنظر إلى طبيعة ما يخرج من أفواهها من كلام تجاه هذا البلد”.
وخلص المتحدث عينه إلى أن “حديث الرئيس الجزائري عن كون الجزائر قلعة أمن وسلام تناقضه الوقائع التاريخية والسياسية التي أثبتت تورط النظام ومساهمته، منذ عقود، في زعزعة استقرار المنطقة ودعم حركة انفصالية إرهابية تعادي الوحدة الترابية للمغرب، إضافة إلى مسؤوليته عن الكثير من الأحداث في دول الجوار، على غرار أحداث نواكشوط في سبعينيات القرن الماضي، وأحداث قفصة في تونس في ثمانينيات القرن ذاته، ثم علاقاته المشبوهة مع الجماعات المسلحة في منطقة الساحل”.
حالة مرضية
محمد نشطاوي، محلل سياسي، قال إن “تصريحات الرئيس الجزائري دائما ما لا تخرج عن السياق الذي عهدناه في خطاب عسكريي الجزائر المتمثل في إلقاء اللوم على المغرب في ما يتعلق بالتعاطي مع المسائل الأمنية، واعتباره تهديدا على الأمن القومي الجزائري”.
وأضاف المتحدث ذاته أنه “من المستغرب أن يدعي الرئيس الجزائري أن بلاده لم يسبق لها أن شكلت تهديدا لأحد، وإلا فمن دعم ويواصل دعم ميليشيات البوليساريو؟”، موضحا في الصدد ذاته أن “الجزائر أكثر من ذلك كرست سياستها الخارجية وتحركاتها الدبلوماسية للدفاع عن كيان وهمي وحشد الدعم الدولي لأطروحته الانفصالية”.
“لو كان هناك أدنى حد من المبادئ التي تدعيها الجزائر ومعها رئيسها بادعائه احترام مبدأ حسن الجوار لكف نظامها عن دعم الانفصاليين في تندوف”، يوضح المتحدث عينه، وزاد: “بالتالي فإن المغرب في ظل هذا الوضع ملزم بالدفاع عن وحدته الترابية ونسج تحالفاته الدولية والإقليمية على النحو الذي يخدم مصالحه الإستراتيجية والقومية”.
وحول إصرار الجزائر في كل مرة على إقحام اسم المغرب في كل الملفات على غرار الملف الأمني، يرى نشطاوي أن “الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خطابات موجهة أساسا للاستهلاك الداخلي والهروب إلى الأمام عبر إيهام الداخل الجزائري بأن المغرب هو العدو الأول والدائم للجزائر، في وقت يريد الشعب الجزائري أن تضمن له سبل العيش الكريم وتوسيع هامش الحقوق والحريات”.
وخلص المتحدث عينه، في تصريح لجريدة رسمية ، إلى أن “حكام الجزائر أصبحوا يعانون من حالة مرضية اسمها المغرب، الذي يتم اتهامه دوما بالوقوف وراء كل مأساة تصيب البلاد”، مؤكدا في الوقت ذاته أن “المواطنين الجزائريين يعون جيدا أن مشاكل بلادهم سببها الرئيسي هو غياب الديمقراطية وسيطرة العسكر على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في بلادهم منذ الاستقلال”.