أحداث

يساهم صراع الجزائر وباماكو في فتح الطريق أمام دبلوماسية المغرب في “نزاع مالي”


صارت الرؤى بين الجزائر وباماكو أكثر بعدا، عقب استضافة الجارة الشرقية للمغرب وفدا من الحراك الأزوادي بشمال مالي دون إشراك السلطات المالية؛ فقد احتجت مالي على ما اعتبرته اقتحاما للشأن الداخلي من طرف قصر المرادية، وهو ما يعني أن “الدور الجزائري في هذا الملف صار ينحسر”، فاتحا المجال للدور المغربي، للأهمية التي تمثلها مالي في تأهيل الأطلسي “بمعناه الإفريقي”.

ونظرا لأن “الدور الجزائري في المسار التفاوضي لمالي مع الحركات المسلحة لم يؤت أكله، واتفاق السلام المبرم بين الحكومة المالية والأزواد في شمال البلاد سنة 2015، الذي كانت ترعاه الجزائر لم يتمكن من وقف القتال”، فإن نتائج ذلك أدت إلى مواصلة عزل الشعب الأزوادي وتعرض لحرب طاحنة في الشهور الأخيرة بعد تدخل أطراف دولية مثل ميليشيا فاغنر وتركيا؛ وهو ما دفع الأزواد للاتجاه نحو المغرب لنيل الدعم.

“المنقذ المالي”

عباس الوردي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، اعتبر أن “الأزمة الدبلوماسية بين مالي والجزائر تبين بالملموس أن الأخيرة ما زالت تمثل سياسة الرجل المريض في العلاقات الدولية، لكونها لم تستطع أن تسهم بشكل إيجابي في ملف الطوارق المتصارعين مع الجيش المالي”، مؤكدا أن “الجزائر كلما رأت أن هناك تقدمات تحرزها الدبلوماسية المغربية لأجل الحوار الهادف والبناء، تنسف هي من جهة أخرى جهودها في ملفات كثيرة”.

وأورد الوردي أن “تدبير الجزائر لهذا الملف نجمت عن أخطاء كثيرة وخرجات غير محسُوبة ليست من صميم الوساطة والعمل الدبلوماسي”، موضحا أن “الجزائر تريد أن تجعل النظام المالي تابعا من خلال الضغط عليه وابتزازه بهذا الملف، لا سيما أن مالي منخرطة في المبادرة الأطلسية التي أعلن عنها الملك محمد السادس؛ وبالتالي توتر العلاقات مع تكتل إيكواس وفرنسا والجزائر يقرب مالي من المغرب، لا سيما أن هذا البلد يعد البوابة الاستراتيجية للساحل”.

وبخصوص تراجع الجزائر، أكد الجامعي المغربي، ضمن إفادات قدمها لجريدة هسبريس، أن “السؤال العريض الذي يمكن أن نطرحه هو لماذا لم تنجح الجزائر في رأب الصدع بين المتناحرين في مالي؟ ولماذا لم تشارك في بناء اللحمة بين الأطياف المتصارعة؟ وأساسا لماذا تخرج في أوقات محددة ومحدودة بالذات؟”، مؤكدا أن “الجزائر تريد معاكسة المغرب، الذي أثبت دبلوماسيته نجاعتها وفعاليتها في احتواء الأزمات الخطيرة في المنطقة”.

المغرب، وفق المتحدث، “له الآن كامل الصلاحية ليكون فاعلا في ملف مالي والأزواد، لأنه كان دائما قادرا على تهدئة الصراعات التي تصل إلى الباب المسدود في ظل احترام سيادة الدول وفي ظل احترام الحياد الديبلوماسي”، مسجلا أن “المغرب كانت له دائما حساسية مفرطة تجاه النزاعات التي تحدث في المنظومة الإفريقية التي يعتبر جزءا لا يتجزأ منها. ولذلك، كان سباقا إلى حل المشاكل التي يمكن أن تؤدي إلى أي وضع قاتم”.

“شرعية وتجربة”

المحلل والأكاديمي المغربي عبد الواحد أولاد مولود قال إن “الأفق المسدود الذي وصله ملف الطوارق في شمال مالي صار يستدعي دخول لاعبين رئيسيين جدد، لاسيما المغرب الذي لديه تجربة من خلال استقبال بعض القيادات الطوارقية لتقريب وجهات النظر والبحث عن حل في أفق إنهاء هذا النزاع”، مبرزا أن “دور المغرب لم يثر يوما حفيظة مالي، لكونه بلدا عريقا يعرف آليات وميكانزمات العمل الدبلوماسي والإطار الدولي الذي تتعامل به مختلف الأنظمة حول العالم”.

وأورد أولاد مولود أن “المغرب، انطلاقا مما راكمه في الملف الليبي من خبرة وتجربة، يجعله مرشحا بقوة لكي يحتضن ملف الأزواد لأجل ساحل أكثر استقرارا”، موضحا أن “أمن القارة واستقرار الساحل يعدان ضمن رهانات المغرب لأجل اندماج أفضل لبلدان الأطلسي لتعزيز التعاون جنوب-جنوب”، مشيرا إلى أن “تولي المغرب لهذا الملف بشكل منفرد أمر ممكن ومنتظر بحكم الاتزان والحضور القوي الذي تتميز به ديبلوماسية بلدنا”.

“الجزائر في هذا الملف غطته بمزايدات سياسية لمعاكسة الدور المغرب في القارة، بينما الأخير مهتم بالوصول إلى حل مع أطراف النزاع، وهو ما منح لدبلوماسية المملكة المغربية مصداقية كبيرة، لكونها هدأت تناقضات حادة بين مجموعة من الفرقاء في ملفات كثيرة”، قال المتحدث لهسبريس، مؤكدا أن “المغرب يحافظ على الوحدة الترابية لمالي، ولكن يمكن تصدير تجربة الحكم الذاتي المعمول به في الصحراء المغربية لهذا البلد”.

وإلى ذلك، أجمل المتحدث عينه أن “الطريق مفتوح أمام المغرب الذي لعب دورا فعالا في الأزمة المالية طيلة السنوات الأخيرة، في الوقت الذي ظلت فيه الجزائر تتعامل مع ملف الطوارق بنوع من التهميش والإقصاء، ورأينا احتجاجات في الداخل الجزائري وفي الخارج على مقاربة قصر المرادية لهذا الموضوع”، لافتا إلى أن “المغرب له وزن وله مكانة خاصة في غرب إفريقيا، وقد كان دوره مشرفا في كل ملف يتدخل فيه”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى